الآن يمكنك العمل بكل سهولة في البورصة العالمية وأنت في منزلك بأقل رأس مال وتحقق دخل شهري ثابت وفي خطوات بسيطة فقط سجل من خلال الرابط أضغط هنا وحقق أحلامك
ولد مؤلف كتاب ( قصة الحضارة ) الفيلسوف والمؤرخ ول ديورانت عام 1885م بولاية
ماساتشوستس الأمريكية، وتلقى تعليماً كاثوليكياً في طفولته فقد كانت أمه
كندية فرنسية، وإمرأة متدينة، ولكن مع ذلك سرعان ما تحول إلى التعليم
المدني وحصل على البكالوريوس في الآداب عام 1907م ، ثم الماجستير في السنة
التالية.
قرأ ديورانت أثناء دراسته مؤلفات وكتابات هكسلي وداروين وهربرت
سبنسر وهيغل وأسبينوزا وآخرين غيرهم وأنضم إلى الأفكار الاشتراكية في عام
1905م ومع ذلك دخل مدرسة أكليريكية في عام 1909م ولكنه لم يبق فيها طويلاً .
مارس مهنة الصحافة ثم ترك مهنة المتاعب ليشتغل بالتدريس في الكلية التي
تخرج منها حتى عام 1911م ودرس بعد ذلك في المدارس الفرنسية وهناك أحب إحدى
تلميذاته وتوثقت علاقته بها وهي ( أدا كوفمان ) فتزوجها عام 1913م. ثم تابع
ديورانت دراسته حتى حصل على الدكتوراه في الفلسفة في عام1917م من جامعة
كولومبيا وكانت رسالته بعنوان "الفلسفة والمشكلة الاجتماعية". وكتب ديورانت
مقالات كثيرة في المجلات وألف عدة كتب منها: "قصة الفلسفة"، و"قصة عقل
واحد وحقبة واحدة"، و"قصور الفلسفة"، و"قضية الهند"، و"مباهج الفلسفة"،
و"مغامرات في العبقرية"، و"برنامج للأمريكيين"، و"في معنى الحياة"، و"مأساة
روسيا"، و"دروس التاريخ" ، و"تفسيرات الحياة" ، وسيرة ذاتية ثنائية
بالاشتراك مع زوجته. ثم أصدر آخر كتاب له بعنوان "أبطال من التاريخ".
لكن هذه الكتب جميعاً لم تحقق نجاحاً يقاس بما حققه كتاب "قصة الفلسفة"
الذي أصدره في عام 1926م. فقد لاقى هذا الكتاب نجاحاً كبيراً في السوق، وصار
من أكثر الكتب رواجاً، فقد كان بيضة من ذهب حسب تعبيره. ومن عوائده المالية
تحرر ديورانت من رق الوظائف وعناء التدريس، وفي عام 1927م ترك التدريس
وتعليم الفلسفة وتفرغ للكتابة والتأليف. ودخل في مشروع فريد من نوعه وعظيم
وشامخ في مضمونه ومنهجه وأسلوب رفيع يليق بفيلسوف فنان، أستغرق خمسين عاماً
من عمره. وهذا المشروع المذهل هو كتاب "قصة الحضارة". ويعتبر هذا الكتاب
عمل موسوعي ضخم ومن أهم كتبه وآثاره ويتألف من 11 مجلداً ضخماً . وقد راودته
فكرة هذا الكتاب عندما كان شاباً يافعاً يقوم برحلة إلى الشرق في عام 1912م،
زار فيها سوريا ونزل دمشق وفي تلك الزيارة مرض ديورانت ولازم الفراش وتذكر
المؤرخ الانكليزي هنري توماس الذي زار دمشق منذ نصف قرن ومرض ثم مات
دون أن يبدأ في كتابة تاريخ الحضارة. وهكذا فكر ديورانت في دمشق ثم قرر أن
ينجز ما عجز عنه ذلك المؤرخ الانكليزي المعروف.
في عام 1935 أصدر الجزء الأول من ( قصة الحضارة ) ونجح في تغير نمط حياته
وأستقر بضواحي مدينة لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا وأعتكف في الريف
الأمريكي الهادئ و تفرغ تماماً للقراءة والكتابة وكان يعمل كل أيام الأسبوع
مع زوجته ويقرأ الآف الكتب ويتعلم اللغات ويسافر سفرات طويلة من أجل رؤية
ومعاينة المنابت الأولى للحضارات. فقد كان يقرأ نحو خمسة الآف كتاب من أجل
أن يكتب جزءاً واحداً من قصة الحضارة بمساعدة زوجته وأبنته. وكان هدفه من
هذا العمل الرائع كما يقول في مقدمته:
«أن أكتب تاريخاً للمدنيّة، أردت فيه أن أروي أكثر ما يمكن من النبأ في
أقل ما يمكن من الصفحات، بحيث أقصّ في روايتي ما أدته العبقرية وما أداه
دأب العاملين في ازدياد تراث الإنسانية الثقافي ، وأن تكون قصتي مصحوبة
بتأملاتي في العلل ووصف الخصائص وما ترتب من نتائج لما أصابه الاختراع من
خطوات التقدم، ولأنواع النظم الاقتصادية، وللتجارب في ألوان الحكم، وما
تعلقت به العقيدة الدينية من آمال، وما أعتور أخلاق الناس ومواضعاتهم من
تغيرات، وما في الآداب من روائع، وما أصابه العلم من رُقى، وما أنتجته
الفلسفة من حكمة، وما أبدعه الفن من آيات، ولست بحاجة إلى من يذكرني بأن
هذا المشروع ضرب من الخبل، ولا إلى من يذكرني بأن مجرد تصور مثل هذا
المشروع إمعان في غرور المرء بنفسه؛ فلقد بينت في جلاء أنه ليس في مستطاع
عقل واحد أو حياة واحدة أن تقوم بهذه المهمة على الوجه الأوفى، ورغم ذلك
كله، فقد خيلّت لي الأحلام بأنه على الرغم من الأخطاء الكثيرة التي ليس
عنها محيص في هذا المشروع، فقد يكون نافعاً بعض النفع لأولئك الذين يرغمهم
ميلهم الفلسفي على محاولتهم أن يروا الأشياء في كلُ واحد، وأن يتابعوا
التفصيلات في موضعها من صورة مجسدة واحدة، فيروها متحدة ويوقفوا إلى فهمها
خلال الزمان في تطورها التاريخي، وأن ينظروا إليها كذلك في المكان عن طريق
العلم.»
ثم يشرح طريقته في كتابة التاريخ :
«لقد أحسست منذ زمن طويل بأن طريقتنا المعتادة في كتابة التاريخ مجزءاً
أقساماً منفصلاً بعضها عن بعض، يتناول كل قسم ناحية واحدة من نواحي الحياة
فتاريخ اقتصادي، وتاريخ سياسي، وتاريخ ديني، وتاريخ للفلسفة، وتاريخ للأدب،
وتاريخ العلوم، وتاريخ الموسيقى، وتاريخ للفن ، أحسست أن هذه الطريقة فيها
إجحاف بما في الحياة الإنسانية من وحدة، وأن التاريخ يجب أن يكتب عن كل
هذه الجوانب مجتمعة، كما يكتب عن كل منها منفرداً، وأن يكتب على نحو تركيبي
كما يكتب على نحو تحليلي، وأن علم تدوين التاريخ في صورته المثلى لابد أن
يهدف في كل فترة من فترات الزمن إلى تصوير مجموعة عناصر ثقافة الأمة
مشتبكة بما فيها من مؤسسات ومغامرات وأساليب عيش؛ لكن تراكم المعرفة قد شطر
التاريخ - كما فعل بالعلم - إلى نواحي إختصاص تعد بالمئات، وجفل العلماء
الحكماء من محاولة تصور الكل في صورة واحدة ، سواء في ذلك العالم المادي أو
ماضي البشرية الحي، ذلك لأن احتمال الخطأ يزيد كلما أتسع نطاق المشروع الذي
يأخذه الإنسان على نفسه؛ وإن رجلاً كائناً من كان يبيع نفسه في سبيل تكوين
صورة مركبة تشمل الكلَّ جملة واحدة، لابد أن يكون هدفاً يبعث على الأسى،
لما يصيبه من ألوف السهام التي يوجهها نقد الأخصائيين إليه؛ فتصيبه غير
عابثة بجهده؛ لقد قال فتاح حوتنب منذ خمسة آلاف عام: "أنظر كيف يمكن أن
تتعرض لمناوأة الخبراء في المجلس؛ إنه لمن الحمق أن تتحدث في كل ضروب
المعرفة"؛ إن تاريخاً يكتب للمدنية لشبيه بجرأته بالمحاولات الفلسفية كلها:
وذلك أنه يعرض علينا صورة تبعث على السخرية لجزء يشرح الكل الذي هو جزء
منه؛ ومثل هذه المغامرة لا تستند على سند من العقل، كما هي الحال في
الفلسفة، وهي مغامرة أحسن ما تكون حالا أن تكون حماقة جريئة؛ لكن ليكن
أملنا أن تصيب ما تصيبه الفلسفة من توفيق فتستطيع دائماً أن تجذب إليها
طائفة من النفوس المغامرة فتغوص في أعماقها المميتة.».
كان ديورانت يتمتع بعقل نقدي وفلسفي، وثقافة واسعة وعميقة، وكان رجلاً
نزيهاً وموضوعياً، يتحرى الحقيقة، ويحرص عليها ، وكان عالماً وأديباً وفيلسوفاً
وفناناً في آن واحد ولهذا يرى من الواجب في كتابة التاريخ: « الإحاطة بجميع
النواحي الاقتصادية والسياسية والقانونية والحربية والأخلاقية والاجتماعية
والدينية والتربوية والعلمية والطبية والفلسفية والأدبية والفنية، ولقد
بذلنا جهدنا على الدوام في أن نكون بعيدين عن الهوى والتحيز وأن ننظر إلى
كل دين وكل ثقافة كما ينظر إليهما أهلهما، ولكنا مع هذا لا ندعي العصمة من
الهوى ذلك أن العقل كالجسم سجين في جلده لايستطيع الفكاك منه».
وتجلى ذلك كله بوضوح في كتاب قصة الحضارة ومن هنا جاءت روعة وعظمة هذا
الكتاب.
يحكى أن ديورانت سئل ذات مرة أن يصف نفسه وعمله فقال الرجل لا أعتبر نفسي
مفكراً أو فيسوفاً وإنما عاشق لعشاق الحكمة. ولما سئل أن يلخص الحضارة قال: «
هي نهر ذو ضفتين يمتلئ أحياناً بدماء الناس الذين يقتلون ويسرقون ويصيحون
ويفعلون أشياء يسجلها المؤرخون عادة. ولكننا نجد على الضفتين في الوقت ذاته
أناساً لا يحس بهم أحد وهم يبنون البيوت، ويمارسون الحب والجنس، ويربون
الأطفال، ويتغنون بالأغاني، وينظمون الشعر، بل ينحتون التماثيل. وقصة
الحضارة هي قصة ما حدث على الضفتين. ولكن المؤرخين متشائمون، لأنهم يتجاهلون
الضفاف ويتعلقون بالنهر».
كان ديورانت عضواً بالمعهد القومي للفنون والآداب في واشنطن، وفاز بجائزة
بوليتزر في عام 1968م وهي أكبر جائزة للأدب والصحافة في الولايات المتحدة
الأمريكية عن الجزء العاشر من قصة الحضارة . ومنح ميدالية الحرية في
عام 1977م ، فقد عاش هذا الفيلسوف والمؤرخ الحجة نحو قرن كامل تقريباً في بيئة
تحترم العلماء والمفكرين والمبدعين والفنانين وبهذا أجتمعت المواهب
الفردية مع الوسط الاجتماعي المناسب، فأسفرت عن هذا المشروع الرائع.
مات مؤرخ الحضارة الإنسانية ( ول ديورانت ) عام 1981م فشعرت زوجته وشريكة عمره بفراغ كبير وماتت بعده بخمسة شهور !!